كيف تنجح في فهم مشاعرك ؟
Aug 18, 2025
اهلا بك عزيزي القارئ في رحلة الإجابة عن واحدة من اكثر الأسئلة غموضا ، وكعادة الأمور الغامضة انه يكثر حولها اللغط وتشيع التكهنات ويدلي بدلوه الحابل والنابل
وبما انه من اهم القيم لدي هو اظهار عظيم ابداع الله في خلق العقل والتفكير بشكل مبسط فدعني ابدأ الحكاية وأقول لك اننا نعيش في عالمين متوازيين العالم الخارجي المليء بالأحداث اليومية سواء كنا نملك التأثير عليها او كانت من الاحداث التي هي خارج سيطرتنا ، ونعيش أيضا في عالمنا الداخلي وهو افكارنا والمعاني التي يبنيها تفكيرنا حول هذه الاحداث ومن هذه المعاني والأفكار هي التوقع او تخيل شكل الاحداث وتسلسلها قبل ان تقع ، يعني ببساطة نعيش بين الواقع والمتوقع
وعقل الانسان على الدوام يقارن الاحداث الخارجية بما كان قد توقعه عنها داخليا في أفكاره ونتيجة هذه المقارنة يرسلها لنا العقل في صورة ما يسمى بالمشاعر ، يعني ان المشاعر هي اللغة التي يخبرنا بها العقل ان هناك اختلاف بين العالم الخارجي والعالم الداخلي ، وكما ان لكل لغة حروفها ومفرداتها التي تختلف على حسب الموقف التي تعبر عنه فكذلك للعقل مفردات لغته التي هي المشاعر التي تختلف على حسب السياق المراد التعبير عنه وهي أنواع المشاعر وحدتها وحتى مكان الإحساس بها في الجسد ، دعني اسرد لك امثلة
اخبرك صديق ان متجرا ما قد بدأ اليوم موسم تخفيض على سلعة ما كنت تود شراءها ونسبة التخفيض هي 30% ، فذهبت مسرعا الى المتجر فوجدت ان التخفيض 10% وان نسبة ال30% كانت موجودة بالفعل لكنها انتهت للتو ، ما هو شعورك الان ؟ حزن وخيبة أمل أليس كذلك
ماذا لو لم يخبرك صديقك بأن هناك تخفيضا على السلعة التي تريدها ولكنك ذهبت لشرائها فوجدت ان عليها تخفيض بنسبة 10% ما هو شعورك ؟ اعتقد هذه المرة ستشعر بالفرح لأنك ستشتريها بتخفيض 10% لم تكن تتوقعه
في المرة الأولى كنت ذاهبا الى المتجر وافكارك في عالمك الداخلي موجود فيها نسبة تخفيض 30% ولكن الواقع في العالم الخارجي قال انه 10% فاختلاف العالمين نتج عنه شعور وبما ان الاختلاف ليس على ما تحب فكان الشعور سلبيا (غضب - احباط - حزن - الخ) ، بينما في المرة الثانية كان العالم الداخلي فيه فكرة ان السعر كذا لكنك عندما ذهبت للمتجر وجدته اقل مما كنت تتوقع فاختلف العالمين فنتج شعور وبما ان الاختلاف كان على ما تحب فكان الشعور إيجابيا (فرح - تفاؤل - بهجة - الخ) وهكذا
وهكذا تتولد مئات بل الاف المشاعر في الساعة الواحدة نظرا لكثرة الاحداث اليومية ، والمقصود بالأحداث اليومية ليست فقط الكبرى بل كل الاحداث حتى البسيطة ، كلها بلا استثناء يرسل لنا العقل تقارير عن مدى وجود فرق بينها وبين الصورة المتوقعة عنها هذه التقارير في صورة سيل من المشاعر واحدة تلو الأخرى
ألا تذكر عزيز القارئ عندما جلست لترتاح في نهاية ذلك اليوم الذي كان مليئا بالأحداث ولاحظت ان شعورا ما مازال موجودا ولكن ليس لديك تفسير له مثل شعور غضب او حزن او ربما فرح وراحة ولكنك لا تتذكر لماذا تحديدا ؟ .. الإجابة هي ان هذا الشعور قد سبق وارسله لك العقل مع احد الاحداث التي مررت بها في يومك هذا ولكنه تاه مع سيل الاحداث وسيل المشاعر التي جاءت ، كل ما تحتاجه هو ورقة وقلم لتكتب الاحداث التي مررت بها وعند احد الاحداث ستجد نفسك توقفت وبدأت الأفكار تتزايد وكذلك الاحداث الأخرى المرتبطة بهذا الحدث ، غالبا هذا هو الحدث المصاحب له الشعور المستمر معك حتى نهاية اليوم
كيف نتعامل مع المشاعر المزعجة ؟
واذا عرف السبب بطل العجب .. وها قد عرفت السبب عزيزي القارئ .. فنوعية وشدة الشعور مرتبطة بوجود فرق بين صورة الواقع في العالم الخارجي والأفكار المتوقعة حوله في العالم الداخلي ولكي تستطيع تغيير نوع الشعور او شدته فما عليك الا التعديل على مجريات الاحداث في العالم الخارجي او التعديل على الأفكار المرتبطة بها في عالمك الداخلي فتجد ان الشعور يتغير
يذهب اغلب الناس مباشرة الى التغيير في العالم الخارجي وهذا جيد لا بأس به لكن المشكلة تكمن ان مفردات الاحداث في العالم الخارجي ليست دائما تحت سيطرتنا وبالتالي تعديلاتنا على العالم الخارجي هي محدودة ، صحيح انها مهمة وضرورية وانها هي ما يسمى بالتغيير الحقيقي لكن ليست دائما في مقدورنا او بالشكل الذي نتوقعه ، كما ان هناك نصف الخيارات الفعالة مازال متاحا وهو التعديل في عالم الأفكار الداخلي ، هل صوت الأطفال المعالي وهم يلعبون في البيت هو ازعاج وقلة راحة لأهل البيت ؟ أم هو دليل على ان البيت هو مكان مريح وامن للأطفال لذلك هم يلعبون براحة وامان ؟ .. هل الفاتورة المرتفعة السعر لاستهلاك الكهرباء تعني فقط مزيدا من الأموال المدفوعة أم انها تعكس لحظات كثيرة تنعمت بها بنعمة الكهرباء سواء في تبريد الجو او حفظ المأكولات في الثلاجة او اضاءة في المنزل قضيت عليها حاجاتك الخ ؟ .. هل رفض مديرك الأعلى طلب مكافأة للعاملين تحت ادارتك يعني انه لا يعتد برأيك ؟ أم ربما هو انسان ضعيف لا يتحرك الا اذا حصلت مشكلة كبيرة ؟ .. وهكذا مهارة وقدرة التعديل على الأفكار الداخلية المرتبطة بالأحداث الخارجية يغير المشاعر الناتجة الغير مريحة او يقلل من حدتها ، ودعني اذكرك ان ابداع الانسان في إيجاد الحلول الفعالة يقل جدا في حالة الضغوط النفسية العالية لذلك قد يكون مناسبا لك عمل تغييرات سريعة على بعض المشاعر لكي تخفض درجة الضغط ولتتمكن من التفكير بحالة من الهدوء والابداع .. تستطيع ذلك بعمل بعض التغييرات على الخريطة الداخلية للأفكار المرتبطة بالحدث المسبب ضغط نفسي لك ثم بعدها تستطيع اخذ فرصة لدراسة إمكانية ادخال تغييرات خارجية على الاحدث في حدود قدتك واستطاعتك
هل المشاعر المزعجة فقط هي ما نحتاج الى التعامل معها ؟
الاجابة لأ
حتى المشاعر الجيدة مثل الفرح والبهجة والامتنان نستطيع التعديل عليها لزيادة شدتها او اطالة امدها ، وقد نحتاج احيانا نتدخل الى التقليل منها في بعض الاحيان مثل شعور الامان تجاه الاحداث او الاشخاص الذين قد يبدون غير امنين ، حيث ان بعض الناس يقوم بمنح ثقته العالية للاخرين ممن قد لا يعرفهم جيدا لانه شعر تجاههم بالامان والثقة دون وجود ما يؤيد شعوره هذا وهذا يسبب لهم الكثير والكثير من خيبات الامل
الخرافات حول المشاعر
1- المشاعر تأتي من مصدر الهام خارجي يخبرنا بالحقيقة
المشاعر مصدرها هو وجود فرق بين الواقع والمتوقع داخل فكرك انت كما سبق والتعديل على ايهما يغير من نوعية المشاعر او حدتها وليس لها علاقة باي عوالم اخرى خارجية ولا تعكس الحقيقة
2- المشاعر لا يمكن تغييرها دون تغيير الواقع
التعديل على افكارك وقناعاتك حول احداث الواقع او بعض مفرداتها يغير المشاعر الموجودة حتما
3- المشاعر تحت علينا التنفيس الفوري عنها
غير صحيح ، يمكنك اخذ وقت قبل الرد الفوري ، بل على العكس ان الردود الفورية على الدوام قد تعكس عدم نضج فكري